لإثراء الفصحى، يجب أن ترفدها اللهجات العربية العامية بكلمات، خاصة حين يعجز المعجميون، والكتاب، وغيرهم من حرّاس اللغة عن إيجاد بديل عربي للتعبير عن فكرة ما أو اسم معين.
اللهجات العامية تمتاز بكونها عملية ومرنة. كما أنها أحافير حيّة لتاريخ الإقليم أو البلد الناطق بها. فغالباً ما تحتوي تلك اللهجات على كلمات تعود إلى اللغات الأصيلة للسكان؛ من بربرية، وآرامية، وقبطية، وغيرها، بالإضافة إلى كلمات استُعِيرَت من لغات أخرى على مر الزمن، كتلك الآتية من الفارسية، والرومانية، واليونانية، ثم من التركية، وأخيراً من اللغات الأوروبية الحديثة.
والهدف من هذه الدعوة هو التنويه إلى مصدر مهم يجب أن يعتمد عليه كتاب العربية بشكل جدي، لإثراء مفرداتهم وإعطائها رونقاً من جهة، ومنحها صبغة محلية من جهة أخرى، خاصة في القصص، والروايات، وبعض الأخبار والمقالات الصحفية.
وعملياً، فإن للعامية، في بعض الحالات، قدرة عالية على التعبير عن بعض المواقف بشكل قد يفوق قدرة الفصحى على ذلك. والسبب في ذلك بسيط، وهو أن اللهجات العامية أكثر تداولاً في المجتمعات، مما يجعلها لغات حيّة بكل ما يحمله المصطلح من معان ودلالات. كما يجب ألّا نغفل أنّ البنية الأساسية لألفاظ جميع اللهجات العربية هي عربية صرفة، وإن رفضت بعضها الذائقة اللغوية لدى البعض.
وهذه المقالة ليست محاولة للالتفاف على حركة الاستعارة اللغوية أو دعوة لإلغائها، إذ ليس بمقدور أحد فعل ذلك، فضلاً عن كون الاستعارة ظاهرة لغوية صحية، في حال عدم المبالغة في اللجوء إليها. كما أنها ليست هجوماً على الفصحى، بل هي دفاع عنها ومحاولة لإثرائها؛ إذ إن إبقاء الفصحى الحديثة على ما هي عليه سيجعلها جامدة غريبة تفتقر إلى الحياة إلى أن ينتهي بها الحال في المتاحف.
وإن خشي البعض الوقوع في الغموض والمحلية المفرطة في حال استخدام الكلمات العامية، يمكن للكاتب تعريف الكلمة، في حال ذكرها أول مرة. فضلاً عن ذلك، فإن شبكة الإنترنت، مع قلة محتواها العربي، تقدم مَعِيناً لا يُستغنى عنه في البحث عن كثير من الأشياء.
ومن نافلة القول، إن كلمتي هذه ليست سوى دعوة لترسيخ تيار حي، فلقد نهل بعض الكتاب المعاصرين من بحر العامية بلا حرج، وأنتجوا تحفاً أدبية فذة.
كُتب بتاريخ 25 يونيو 2015
