تنفذ الجيوش الحديثة بلا استثناء عروضاً عسكرية يجري فيها محاكاة مواجهات حربية مختلفة، سواء ضد جيوش أو عصابات متمردة أو مارقة. وهذه المحاكاة بطبيعة الحال هي جزء لا يتجزأ من عمل الجيوش اليومي، إذ تجهز كل بلد قواتها لمواجهة مخاطر معينة. وما يجري في العروض العسكرية هو إماطة للثام عن بعض مقدّرات القوات المسلحة للبلد بهدف رفع المعنويات وتقوية الروح الوطنية داخلياً وردع الأعداء وشكم أطماعهم خارجياً. وأقدم هنا كلاماً ورد في كتابَيْ السلوك في معرفة دول الملوك للمقريزي، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لتلميذه ابن تغري بردي عن عروض عسكرية جرت في مصر والشام في القرنين السابع والثامن الهجريين. ولا شك أن كتب التاريخ والأدب تحفل بالكثير من الأمثلة الأخرى، والتي سأعمل على إضافتها إلى المجموعة في حال وقعت عليها:
عرض عسكري بحرى على نيل مصر
سنة 659 هـ: “في يوم الأحد تاسع عشره: ركب الخليفة (المستنصر بالله) والسلطان (الظاهر بيبرس) من قلعة الجبل إلى مدينة مصر، وركبا في الحراريق (سفن حربية) وسارا في النيل إلى قلعة الجزيرة، وجلسا فيها، وأُحضرت الشواني الحربية (سفن حربية كبيرة)، فلعبت في النيل على هيئة محاربتها العدو في البحر، ثم ركبا إلى البر وسارا إلى قلعة الجبل. وقد خرج الناس لمشاهدتهما، فكان من الأيام المشهودة.” المصدر: السلوك في معرفة الملوك، المقريزي.
حادث خلال عرض عسكري في مصر

سنة 702 هـ: “ثم ورد الخبر على السلطان من طرابلس بأن الفرنج أنشأوا جزيرة تجاه طرابلس تعرف بجزيرة أرواد، وعمروها بالعدد والآلات، وكثر فيها جمعهم، وصاروا يركبون البحر ويأخذون المراكب. فرسم السلطان للوزير بعمارة أربعة شوان (سفن) حربية في محرم سنة اثنتين وسبعمائة ففعل ذلك. ونجزت عمارة الشواني وجهزت بالمقاتلة وآلات الحرب مع الأمير جمال الدين آقوش القارىء العلائي وإلى البهنسا. واجتمع الناس لمشاهدة لعب الشواني في يوم السبت ثاني عشر المحرم. ونزل السلطان والأمراء لمشاهدة ذلك، واجتمع من العالم ما لا يحصيه إلا الله تعالى حتى بلغ كراء المركب التي تحمل عشرة أنفس إلى مائة درهم. وامتلأ البر من بولاق إلى الصناعة حتى لم يوجد موضع قدم. ووقف العسكر على بر بستان الخشاب وركب الأمراء الحراريق (سفن) إلى الروضة وبرزت الشواني تجاه المقياس تلعب كأنها في الحرب، فلعب الشيني الأول والثاني والثالث، وأعجب الناس إعجاباً زائداً لكثرة ما كان فيها من المقاتلة والنفوط وآلات الحرب. وتقدم الرابع وفيه الأمير آقوش فما هو إلا أنه خرج من الصناعة بمصر وتوسط في النيل إذا بالريح حركته فمال به ميلة واحدة انقلب وصار أعلاه أسفله، فصرخ الناس صرخة واحدة كادت تسقط منها الحبالى، وتكدر ما كانوا فيه من الصفو فتلاحق الناس بالشيني وأخرجوا ما سقط منه في الماء، فلم يعدم منه سوى الأمير آقوش وسلم الجميع، فتكدر السلطان والأمراء بسببه، وعاد السلطان بأمرائه إلى القلعة وانفض الجمع.” المصدر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة.
عرض عسكري في دمشق

سنة 671 هـ: “وأمر السلطان بلبس العساكر فلبسوا عدد الحرب ولعبوا في الميدان خارج دمشق، والرسل تشاهد ذلك.” المصدر: المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك