كشكول النوادر – من أروع ما قرأت في كتب التراث

 

 

تحتوي هذه الصفحة على اختيارات متفرقة مما وجدته في كتب اللغة والأدب والتاريخ وغيرها التي أنتجتها الحضارة العربية/الإسلامية. وهي على شاكلة “كُناشة النوادر” لأحد عظماء تحقيق ونشر التراث عبدالسلام هارون الذي جمع فيها نوادر وقصص وطرائف من الكثير من كتب التراث. ولا مقارنة بطبيعة الحال بين هذه المادة وبين عمل هارون إذ أنه استقى الكثير من نوادره من مخطوطات لم تكن قد نُشرت بعد.
**
مقطتفات من شعر أبو إسحاق الغزي
يلقب البعض الشاعر الفذ أبو إسحاق الغزي بمتنبي فلسطين، ربما لتأثره بالمتنبي من جهة ولجودة قريحته من جهة أخرى. ولهذا الشاعر الذي لا يبدو أنه نال حظه من الشهرة في زمننا مجموعة كبيرة من الأبيات الحكمية التي تنم عن شاعرية عميقة وتجربة واسعة في الوقت ذاته. وهذا رابط لديوانه لمن أراد الغوص في بحاره والتقاط المزيد من لآلئه:
 
كفاك الله أصغر من تُناوي * فإن الشمس تكسف بالهلال
ولا أخـلاك مـن جَدِّ سـعيد * فـكلّ عـلاً عليها الجَـدُّ والي

وله:
ولما رأيتُ الحسن عز مرامه * عليَّ وكان الاشتراك شنيعا
عشقت قبيحاً كي أفوزَ بوحده * فشـاركني فـيه الأنام جميعا
 
وله: 
إذا قل عقل المرء قلت همومه  *  ومن لم يكن ذا مقلة كيف يرمد
 
وله: 
إنـي لأشكـو خـطوبـا لا أعـينها  *  لـيبـرأ الناس مـن لومي ومن عذلي
كالشمع يبكي ولا يدرى أعبرته  *  من صحبة النار أم من فرقة العسل
 
وله:
طــول حــيـاة مــا لـهـا طـائـلٌ  * فغصَّ عندي كل ما يشتهى
أصبحت مثل الطفل في ضعفيه * تنـاسـب الـمبـدأ والـمـنتهى
 
وله:
كم خانني حَذرِي فيما مضى وأتى * حتى غدا حذري في الحال من حذري

ديوان الغزي، إبي إسحاق إبراهيم بن عثمان بن محمد الكلبي الأشهبي، تحقيق د. عبد الرزاق حسين، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، 2008.
 
إذا هَبَّتْ رِيَاحك
لا أعرف من قائل هذه الأبيات ولكنها وردت في كتاب “الرؤوس” للأديب والناقد اللبناني الكبير مارون عبود، وهو لم يسم صاحبها.
 
ما مضى فات والمؤمل غيبٌ   *  ولك الساعة التي أنت فيها
إذا هـبـت رياحــك فـاغتنمهـا   *  فإن الـخـفـقات لهـا سكـون 
وإن ولـدت نـياقك فـاحـتلبهـا   *  فلا تدري الفصيل لم يكون
 
الرؤوس، مارون عبود، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 17. الكتاب هنا.
 
رَحِمُ مَجْفُوَّة
شيء من نوادر أبي علي القالي: “قام رجل إلى معاوية فقال له: سألتك بالرَحِمِ التي بيني وبينك. فقال: أمِنْ قريش أنت؟ قال: لا. قال: أفمن سائر العرب؟ قال: لا. قال: فايَّةُ رَحِمٍ بيني وبينك؟ قال: رحمُ آدم. قال: رَحِمٌ مجفوة، والله لأكونَنَّ أول من وصلها. ثم قضى حاجته.”
 
كتاب الأمالي، أبو علي القالي، تحقيق علي محمد زينو، جزء 1، طبعة 1، مؤسسة الرسالة ناشرون، ص. 311
 
ابن حزم حول اللغة والحضارة
لعل قول الإمام ابن حزم هذا أفضل تفسير لحال اللغة العربية هذه الايام: “فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم. وأما من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر.”
 
الإحكام في أصول الأحاكم، على بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، 1979، ج. 1، ص. 32.

الجاحظ في الكتاب
ومن سيمتدح الكتاب إن لم يفعل الجاحظ أحد أكبر مدمني الكُتُب في التاريخ البشري: “فمتى رأيتَ بستاناً في رُدنْ، وروضة تُقَلُّ في حِجْرٍ، وناطقاً ينطق عن الموتى، ويترجم عن الأحياء. ومن لك بمؤنس لا ينام إلا بنومك، ولا ينطق إلا بما تهوَى، آمَنُ من الأرض، وأكتم للسر من صاحب السر، وأحفظ للوديعة من أرباب الوديعة، وأحفظ لما استُحفِظ من الآدميين.”
 
الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، الجزء الأول، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ص. 39-40.
 
وصية الوزير أحمد ابن سعيد لولده ابن حزم
“أنشدني أبو محمد علي بن أحمد قال: أنشدني الوزير أبي عمر في بعض وصاياه لي:
إذا شئت أن تحيا غنياً فلا تكن … على حالة إلا رضيت بدونها.”
 
بغية الملتمس في أخبار أهل الأندلس، ابن ابن عميرة الضبي، في ترجمته (رقم 412).
 
تحذير الفيلسوف ابن الكتاني من أن يكون الإنسان عالة على غيره
“وقد سمعت شيخنا أبن الحسن (الطبيب والفيلسوف الأندلسي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الحسين المذحجي القرطبي المعروف بابن الكتاني) يقول لي ولغيري: “إن من العجب من يبقى في هذا العالم دون معاونة لنوعه على مصلحة. أما يرى الحراث يحرث له، والطحان يطحن له، والنساج ينسج له، والخياط يخيط له، والجزار يجزر له، والبناء يبني له، وسائر الناس كل متول شغلاً، له فيه مصلحة وبه إليه ضرورة. أفما يستحي أن يكون عيالاً على كل العالم لا يعين هو أيضاً بشيء من المصحلة.”
 
رسالة مراتب العلوم، ابن حزم الأندلسي، تحقيق إحسان عباس، ج. 4، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983، ص. 34
 
مقتطفات من كتاب النوادر لأبي مسحل الأعرابي
* “يقال: قرعناكَ لهذا الأمرِ، واقترعناك، وقرحناك، واقترحناك، ونجبناك، وانتجبناك، ونخبناك، وانتخبناك، واجتبيناك، يعني اخترناك.”
 
* “ويقال: الناسُ فوضى، ما لم يكن عليهم ملكٌ يجمعهُم. قال الشاعر:
لا يصلحُ الناسُ فوضى لا سراة لهُم * ولاسراة إذا جُهَّالهم سادوا”.
 
* “واخترعت الشيء: اختلقته. كما تقول: اختلق عليه كذباً، واخترع، واخترق”.
 
* “ويقال: لم أزلْ أختبرُ فلاناً حتى طَعَنْتُ في فَحْواهُ. معناه حتى علمتُ باطنَ أمرِهِ”.

قَبَسات من كتاب الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم
* إهمال ساعة، يُفسد رياضة سنة.
* من جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه، وإنما يندم عليه في مَعَاده، وغيظاً ينضج كبده، وذلاً ينكس همته. فما الظن بمن خالطهم وداخلهم؟ والعز والراحة، والسرور والسلامة في الانفراد عنهم. ولكن اجعلهم كالنار؛ تَدَفّأ بها ولا تخالطها”.
 
الناس تأنف من التقعير في كل زمن
مقتطف من مقدمة كتاب الأمثال المولدة لأبي بكر الخوارزمي، وفيه بيان لشيوع طلب البسيط الواضح من الكلام بدلاً من الغريب الوحشي من كلام العرب خلال العصر العباسي:
 
“ونحن نعتذر إليك من الحاجة إلى جمع هذا الكتاب بما عليه جلّ أهل الزّمان، وخدم السّلطان من الميل إلى الأدب الرّطب لسهولته، والنّفور عن الأدب اليابس لوعورته، حتّى إنّ أحدهم يتطيّر من شعر أهل الجاهليّة، ويتبرّم بعويص النّحو واللغة، ويضرب “قفا نبك” مثلا لكلّ مبتذل، ويجعل “عفت الدّيار” معياراً لكلّ متروك مهمل .. وإنّما الأدب، أرشدك الله، لسان، واللّسان آلة تنفق بطلب الطّالب لها، ورغبته بها، كما تكسد برغبته عنها، وانزوائه منها. فالمهمل إذا احتيج إليه مستعمل، والمستعمل إذا استغني عنه مهمل؛ ولذلك من الشأن ترك النّاس ذكر الشّيح والقيصوم، وأقبلوا على ذكر النّرجس، والورد. وطووا ذكر الأثافي والرّماد والوقوف على الأطلال والأوتاد إلى ذكر البساتين والأنهار، والتعلّل بالأنوار والأزهار. وأغبّوا ذكر “زينب” و “عثمة” وأكثروا ذكر “تحيّة” و “نزهة”، إذ كان هذا أجرى على لسانهم، وأشبه بحكم زمانهم؛ وقد قال أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب): “الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم”. فبالجملة أنّ الناس بالزّمان، والزّمان بالسلطان، والسّلطان متصرّف على حكم حاشيته وبطانته، وناظر بأعين كتّابه وكفاته، وجلّهم بل كلّهم مائل عن مرارة الجدّ إلى حلاوة الهزل، يستبشع الإعراب ويلعن الأعراب، ويتطيّر من شعر الشماخ والطّرمّاح إذا رووه، وينفر من كلام قسّ و (ابن) الأهتم إذا حكوه. فإن فاوضه مستعطف ببيت لحاتم طيّء زوى وجهه، وصعّر خدّه، وسدّ أذنه، وجعل حرمان من أنشده جزاءه، هذا إذا لم يتعدّ ذاك إلى شتم الحيّ، ولعن الميت.”
 
من ترف النظافة في العصر العباسي
لقد بلغ في أوج العصر العباسي مبلغاً من الترف قل، بل يكاد يعدم نظيره، في أي من العصور القديمة. وهذه صورة جلية من صور الترف هذا كما يصورها الغزالي في سياق حديثه عن النظافة:
 
“وقد انتهت النوبة الآن إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة، فيقولون هي مبنى الدين. فَأَكْثَرُ أَوْقَاتِهِمْ فِي تَزْيِينِهِمُ الظَّوَاهِرَ، كَفِعْلِ الْمَاشِطَةِ بعروسها؛ والباطن خَرَابٌ مَشْحُونٌ بِخَبَائِثِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالْجَهْلِ وَالرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ، وَلَا يَسْتَنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ. وَلَوِ اقْتَصَرَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، أَوْ مشى على الأرض حافياً، أو صلى على الأرض أو على بواري المسجد من غيرسجادة مفروشة، أو مشى على الفرش من غير غلاف للقدم من أدم (جلد)، أو توضأ من آنية عجوز أو رجل غير متقشف، أقاموا عليه القيامة وشدوا عليه النكير ولقيوه بالقذر وأخرجوه من زمرتهم واستنكفوا عن مؤاكلته ومخالطته.”
إحياء علوم الدين، كتاب الطهارة، أبو حامد الغزالي


الشروط والأحكام — الملكية الفكرية للنص
تعود حقوق الملكية الفكرية لكل من النص والصورة للمؤلف “محمود حبوش”. يُمنع منعاً باتاً نشر، أو إعادة نشر، بشكل جزئي أو كلي، وبأي وسيلة نشر إلكترونية أو غيرها لهذا النص والصورة المرفقة أو غيره من النصوص والصور الموجودة في هذه المدونة. قل غير مصرح به يضع صاحبه تحت طائل المسئولية القانونية.

التصنيفات تراثياتالوسوم ، ، ، ،

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه:
search previous next tag category expand menu location phone mail time cart zoom edit close